من يوميّات سائقة سيّارة أجرة "العشق الممنوع " للمقود الأصفر!

سائقة التاكسي لمياء المبروكي
لمياء سائقة سيارة الأجرة

رغم مخاطر المهنة ومتاعبها تتحدّث لمياء المبروكي (45 سنة، سائقة تاكسي) عن عشقها لمهنتها التي تقول إنّها في البداية لم تكن خياراً، بل كانت مجرّد هواية، فقد كانت حينها طالبة جامعيّة بقسم العلوم الاجتماعيّة مولعة بعالم السيّارات، وبدافع الفضول وحبّ السياقة التي تعلّمتها عن والدها منذ كانت فتاة صغيرة، وبرعت فيها اقترحت على جارها الذي كان يمتلك سيّارة تاكسي أن تجرّب العمل معه.

تقول لمياء محدّثة سيدتي: "كسبت حينها قليلاً من المال ساعدني على مواصلة دراستي، ومع مرور الأيّام بدأ عشقي لهذه المهنة يكبر دون أن أكون قد اتخذت قرار مزاولتها بشكل نهائي".

 

من دون عمل

بعد سنوات الدراسة الجامعيّة الأربعة لم تعثر لمياء على شغل، فواصلت عملها كسائقة سيّارة تاكسي، وأصبحت تقضي ساعات أطول، وهي تجوب شوارع العاصمة تونس من شمالها إلى جنوبها مروراً بأحيائها الراقية وأحيائها الشعبيّة، ولأنّ هذه المهنة منحتها مكسباً محترماً قررّت لمياء أن تصرف النظر عن الوظيفة بشكل نهائي، وأن تتفرّغ بشكل تامّ لسيّارة التاكسي التي باتت بمثابة شريك العمر.

 تقول لمياء: "أشعر بأنّني حرّة وأنا أقود سيّارتي، فليس لي مديرٌ يعاتبني أو يملي عليّ أوامره فأنا المديرة...فكّرت كثيراً حين اتخذت القرار بأن أزاول هذه المهنة بدوام كامل، لقد كانت تدرّ عليّ دخلاً محترماً مقارنة بما كنت سأجنيه من أيّ وظيفة أخرى، كما أنّني سأعمل لحسابي الخاص ولن أكون مجبرة على المداومة حسب توقيت قارّ".

مهنة ذكورية

لم تقبل عائلة محدّثتنا أن تزاول ابنتهم هذه المهنة في البداية؛ خوفاً عليها من نظرة الناس ومن المخاطر التي قد تتعرّض لها، وفي هذا الصدد تقول لمياء، وهي واحدة من نساء قلائل اخترن في تونس أن يشتغلن كسائقات لسيارات أجرة، "هي مهنة ذكورية يصعب على المرأة أن تثبت وجودها فيها بسهولة؛ إلا إذا كانت تمتلك شخصيّة قويّة، فالحريف يشعر فور استقلاله السيّارة بالمفاجأة حين يكتشف أنّ من يجلس خلف المقود امرأة، وترتسم ملامح المفاجأة على وجهه، وأحياناً الاستخفاف والاحتقار فكيف للمرأة التي تتّهم عادة من طرف الرجال بأنها لا تحسن قيادة السيّارة أن تشتغل سائقة لسيارة أجرة؟".

 

مهنة المخاطر

ولأنّ سُوّاق التاكسي قد يتعرضون أحياناً لعمليّة التحيّل أو محاولة الاستيلاء على أموالهم من طرف بعض الحرفاء المنحرفين، وبفضل الخبرة التي اكتسبتها طيلة السنوات الطويلة أصبحت لمياء قادرة على التعامل مع المواقف الحرجة، التي قد تعترض سبيلها، فهي تقول إنّها لا تحبّذ كثيراً الحديث مع الحريف؛ إلا إذا توجّست خوفاً منه حينها تحاول أن تستدرجه بالحديث علّها تكتشف حقيقة نواياه، وفي صورة تأكّدها من أنّه ربّما يخطّط لأذيّتها تختلق السائقة عذراً لإنزاله من السيّارة كالادعاء بأنّ عطباً أصابها.

في أحيان كثيرة تتجاوز لمياء مهمّة إيصال الحريف إلى المكان الذي يرغب فيه لتتحوّل إلى ما يشبه الطبيبة النفسيّة؛ إذ تجد نفسها مرغمة على الإنصات لحديث الغريب "رفيق الرحلة" ومواساته، فسيّارة الأجرة هي المكان الذي يبوح فيه الكثير من الحرفاء بمتاعبهم ومشاكلهم، يفضون خلال تلك الرحلة القصيرة إلى سائقها بهمومهم دون الخوف من أي تبعات لهذا البوح، فهذه تشكو من معاملة زوجها لها، وتلك سيّدة عجوز تتحّدث عن سوء معاملة كنّتها لها، والآخر ربّ أسرة أرهقته الديون ونفقات طليقته...

حين تغادر لمياء المبروكي منزلها صباحاً تنسى مجبرة أنّها أنثى، فترتدي بنطلوناً وقميصاً واسعين وحذاء رياضيّا، فتترك بشكل كلّي كلّ مظاهر الزينة حين تجلس خلف مقود سيّارة التاكسي، تقول إنّ ذلك هو شكلها الذي اختارته لممارسة هذه المهنة؛ حتّى تتجنب المعاكسات والمضايقات. لم يعد مظهرها الذي تحاول فيه أن تتشبّه بالرجال يزعجها كلّما نظرت لنفسها في مرآة سيّارتها الصفراء، بل على العكس هي فخورة بهذا المظهر، فقد اختارت أن تقتحم عالم الرجال عن طواعيّة وبكثير من الحبّ.